مع زيادة خطر انتشار الوباء وتماسّه مع حدود دول الجوار الليبي سيطر على تفكيرنا خوف شديد على مصائر أهلنا ومواطنينا كغيرنا من الشعوب التي كابدت معاناة كوفيد ـ 19.
في ذات الوقت كانت هناك توجيهات من إدارة صندوق الضمان الاجتماعي تقضي بضرورة مساهمة المركز الاكتوراي في رسم خطوط دفاعات حقيقية قد تضعف من انتشار الفايروس من منطلق مسؤوليتنا الاجتماعية والقيام بما يلزم وعلى الفور كان فريقنا في الموعد باستقراء واقع (كورونا) المعاش وتفسيره رقمياً وتقديم المعلومات الدقيقة عنه وقراءة مؤشرات بياناته الايجابية والسلبية وعرض تقارير واقعية بعيداً عن التضخيم الإعلامي أملاً في بت الطمأنينة في أوساط شرائح الشارع الليبي وإبعاد شبح الخوف والقلق الذي سيطر على البلدان التي تفشى فيها الوباء، فكما يعلم الجميع أن لصندوق الضمان الاجتماعي قاعدة عريضة من المتابعين.
بدأت الفكرة وانطلقنا ـ الفريق الاكتواري ـ في متابعة حثيثة لكل مستجدات هذا الوباء وما ينتج عنه من مؤشرات ودلالات قد تمنحنا مفاتيح لأحاجي قد تنقلنا إلى نتائج مهمة لم يتوصل لها غيرنا نظرا لإلمامنا باختلافات مجتمع الدراسة.
أرقام مخيفة جرت على ألسن مذيعي القنوات؛ خلقت حالة (فوبيا) واضحة لدى غالبية من تعرضوا لها؛ فقد كانت مخيفة بالفعل وحرصاً منا على سلامة مواطنينا المتقاعدين والمضمونين وكبار السن بادرنا إلى القيام بإعداد تقارير إحصائية يومية نلتمس فيها نسب الشفاء في رسالة طمأنة بأن النسب الظاهرة غير حقيقية في كثير من الأحيان وأن حالات الوفيات المسجلة تختلف باختلاف كل دولة وموقعها وأنظمتها الصحية.
منذ وضع خطة الطوارئ نهاية فبراير مروراً بمارس وأبريل وحتى تاريخ هذا اللقاء نتحدث عن قرابة الثلاثة أشهر ـ هل صدر عن المركز دراسة اكتوارية متخصصة؟ وما هو عنوانها؟
معطيات التغيير في هذا الوباء متجددة في كل يوم ولحظة ومن هنا فإن إعداد دراسة مكتملة الجوانب لا يتم لأن هناك تحديث للنتائج قد ينفي أو يقلّل من صحة المعلومة السابقة؛ هذا الأمر خلق لدينا حالة من التحدي للخروج بتقارير يومية أخذت عيناتها من مجموعة الدول العربية نظراً للتّشابه الكبير فيما بيننا في كثير من الأمور؛ وهو ما أفادنا في استنباط بعض المؤشرات المهمة التي استثمرت في طمأنة الشارع الليبي فنسبة المتر المربع إلى الأفراد في كل من ليبيا ومصر والجزائر تختلف باختلاف الدول ولكنها تقترب فيما يتعلق بهشاشة الوضع الصحي العام للبلدان الثلاثة مقارنة بالمملكة السعودية.
عملنا سوياً في إنجاز عددٍ من الدراسات فكان أول تقرير صدر عن المركز عبارة عن عناوين عريضة وأرقام لإحصاءات منسوخة عن منظمة الصحة العالمية؛ أعدنا قراءتها وفق نمط خاصٍ بنا في المركز الاكتوري ولم يكن مجرد إعادة نشر فقط وبناء على ما تقدم فقد استفدنا من عدم تكرار أخطاء غيرنا.
كنا نقوم بزيارات متكررة على مدار الساعة لمواقع إلكترونية لوزارات صحة عربية وإقليمية نجمع بياناتها ونقارن نتائجها علّنا نجد ضالتنا، فالنسب لا ترتفع أو تنخفض جزافاً والباحث الاكتواري يعي هذا الأمر جيداً.
صدر عن المركز أيضا تقرير مهم جداً حاولنا من خلاله إيجاد عامل مشترك فيما بين الفئات العمرية للمصابين ـ والنظام الصحي في دولة ما ـ والاكتظاظ السكاني والأسباب التي أدت لانتشار المرض في دول أروبية وانحساره في الدول العربية وذلك في (19) أبريل الماضي.
هل تتوقع أن تساهم دراستكم لظاهرة كورونا في تبصير الطلاب الدارسين في تطبيق مشابه في المستقبل القريب؟ أما سؤالي الثاني: ما هو المنهج المعتمد من المركز في دراسة ظاهرة مثل ظاهرة كورونا؟
نعم بالتأكيد فإن تطبيق دراستنا على حالة مشابهة لكورونا لن يكون صعبا على الطلاب الدارسين سيكون من السهل بمكان في حال التطبيق الجيد.
وفيما يتعلق بنوع المنهج المستخدم في الدراسة وفقد اعتمدنا في دراستنا على منهج الإحصاء الوصفي في تقديم النتائج وقد حدث بأن تطابقت نتائج مركزنا مع نتائج كنا نتابعها في بعض وسائل الإعلام لدول عربية وإقليمية مراراً وتكراراً؛ مع فارق الإنجاز فقد كنا السباقين إلى اكتشاف العديد من المؤشرات ذات الدلالات المهمة في العمل الاكتواري المتخصص.
بناء على متابعاتكم ـ لحالات الوفاة التي حصدت أرواح كثيرين حول العالم والإصابات التي تخطت توقع دول عجزت عن تقديم الرعاية الصحية لمواطنيها ـ ما المطمئن في التجربة الليبية؟ وأين هي مواطن الخوف فيما تتابعونه؟
دعنا لا نتحدث عن الدولة العربية والإسلامية والتي تفاوت خطر التعرض فيها للإصابة أو الوفاة لأسباب متعلقة بكل دولة بحد ذاتها؛ ولنتحدث عن ليبيا ووضعها المطمئن؛ نسبة لمن في جوارها؛ نظرا لتقيدنا بإجراءات السلامة الاحترازية المعلنة من اللجنة العليا في ليبيا فور صدورها واستفادتنا من أخطاء غيرنا بتصحيح المسار لذا فإن النتائج جاءت مرضية حتى هذه اللحظة.
أما عن سؤالك عن مواطن الخوف فأنا أرى أنه رغم مرور أكثر من شهرين على تطبيق إجراءات السلامة إلاّ أن الخطر لازال قائماً مع عودة العالقين من دول الجوار كمصر تونس أو المغتربين في تركيا أو السعودية والأردن، ونحن نعلم كم كابد مواطنونا في أثناء فترة حجزهم خارج الوطن مما جعل قرار عودتهم أمراً مُلحاً ولكن خطر حملهم لعدوى الفايروس عواقبه ستكون وخيمة.
الأمر الثاني محاولة عودة المواطنين لسابق عهدهم بالاختلاط والمزاحمة والمكوث في مجموعات داخل أماكن مغلقة لفترات طويلة أو مكابدة الظروف الحياتية بمختلف صورها قد يعيدنا إلى المربع الأول من حربنا ضد هذا الوباء.
ومن هنا ومن منبركم الإعلامي الضماني أوجه رسالة توعوية لكل من يتابعنا مفادها: (دعونا نتقيد بمحاذير السلامة وإن كان بالحافظ على التباعد الجسدي إلى حين زوال الخطر)
كونكم المركز الأول والوحيد في ليبيا المتخصص في جانب الدراسات الاكتوراية من هي الجهات العامة أو الخاصة التي كانت على اتصال معكم؟
كان لنا تواصل واتصال مع العديد من الجهات المحلية ولم ندخر جهداً في إيصال المعلومة مجرّدةً لكل من رغب في اقتنائها فصفحة المركز وصفحات أعضاء الفريق كلها جعلت منصات تنوير وتعريف بنتائج دراساتنا على الوباء وهي متوفرة حتى اللحظة.
وزارة الشؤون الاجتماعية كانت سباقة في التعاون مع المركز وقد أنجزنا معاً عدداً من الأنشطة الاجتماعية في سبيل تخفيف العبء النفسي على المواطنين.
كذلك الحال مع وزارة الصحة الليبية واللجنة العليا لمكافحة الوباء التي لازالت في تواصل مستمر معنا.
منحتُم بسخاء وتعاونتُم بحرفية فيما تقدّم؛ ولكن يبقى السؤال القائم: ما هو المصير المتوقع لنتائج تقاريركم ودراساتكم التي زودتُم بها تلك الوزارات؟
نعم سؤال مهم بالفعل والتقارير التي زودنا بها أصحاب القرار في الدولة الليبية تقارير ذات مؤشرات ودلالات مهمة ومن المفترض أن يعي مسؤولو الدولة استقرائها والاستفادة منها مستقبلاً في تصحيح العديد من الأنظمة الخدمية كالنظام الصحي والتعليمي وغيره فوباء كورونا ليس آخر الأوبئة وقد دللت التقارير على ضعف وهشاشة البناء (الصحي الإيوائي) في ليبيا.
يجب على دولتنا أخذ المؤشرات التي زودنا بها اللجنة العليا لمكافحة الوباء على محمل الجد منعاً لتكرار (كيف وأين وماذا وهل) بل يجب التفكير ملياً لماذا دول قوية البنيان في نظامها الصحي انهارت في لحظات فالأمر خطير فيما لو تجاهلنا الأسباب والمسببات.
ما تقييمك للمواكب الإعلامية للوباء وهل قامت القنوات المحلية (الليبية) بواجبها تجاه المواطن وتوعيته؟ وهل كان الإعلام مساهم في جهود المكافحة؟
الإعلام والقنوات الإعلامية الليبية ومنصات التواصل الاجتماعية والوكالات المحلية وقنوات الراديو كلها كانت حاضرة ومتابعة جيدة فيما يتعلق بجانب التوعوي؛ ولكن مأخذي على الإعلام يكمن في طريقة عرض الأرقام والإحصاءات اليومية حتى أضحت شبحاً مرعباً خلق حالة من الذعر فالسباق على إحصاء أعداد الوفيات في دول العالم المختلفة مع تهميش نسب النجاة أو التعافي كان مخيفاً جداً فالعدو مجهول والخطر قائم.
ختاما:
كنا كفريق عمل اكتواري ننظر للأمر ونقول: "يجب أن يقوم المركز الإكتواري بدوره الحقيقي وأن نخرج بنتائج تكون زاوية دفاع أخرى من دفاعات مجابهة هذا الوباء".
ـ أتمنى أن نكون قد وفّقنا ـ فريق مركز الدراسات الاكتوارية ـ في مجابهة خطر الانتشار.
ـ أملي فالله أن يحفظ أخوتي الليبيين من كل سوء وليس كورونا وحسب.
ـ كما أتقدم بجزيل الشكر لفريق المركز الاكتواري الذي كان نعم المعين في إنجاز من صبونا له.
ـ الشكر للمؤمن بعطائنا والمثني الدائم على جهودنا والمؤمن بجدوى العلم الاكتوري د. إدريس حفيظة المبروك رئيس مجلس الإدارة والمدير العام.
ـ الشكر أيضا لوكالة إفريقيا للأنباء ولكل من آمن بنا ودعمنا.
ـ وأخيراً: هذه التجربة يجب أن لا نجعلها ذكرى تمر مرور الكرام.